الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
فلما كانت الظهر ، أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثني الزهري ، معتجرا بعمامة من إستبرق ، على بغلة عليها رحالة ، عليها قطيفة من ديباج ، فقال : أوَ قد وضعت السلاح يا رسول الله ؟ قال : نعم ؛فقال جبريل : فما وضعت الملائكة السلاح بعد ، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم ، إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة ، فإني عامد إليهم فمزلزل بهم . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا ، فأذن في الناس : من كان سامعا مطيعا ، فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة . جبريل يأتي بحرب بني قريظة . واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، فيما قال ابن هشام . قال ابن إسحاق : وقَدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة ، وابتدرها الناس ، فسار على بن أبي طالب ، حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق ، فقال : يا رسول الله ، لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث ؛ قال : لم ؟ أظنك سمعت منهم لي أذى ؟ قال : نعم يا رسول الله ؛ قال : لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا . فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم . قال : يا إخوان القردة ، هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ؟ قالوا : يا أبا القاسم ، ما كنت جهولا . ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفر من أصحابه بالصَّوْرَيْن قبل أن يصل إلى بني قريظة ، فقال : هل مر بكم أحد ؟ قالوا : يا رسول الله ، قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي ، على بغلة بيضاء عليها رحالة ، عليها قطيفة ديباج . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك جبريل ، بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ، ويقذف الرعب في قلوبهم . ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة ، نزل على بئر من آبارها من ناحية أموالهم ، يقال لها بئر أنا . قال ابن هشام : بئر أنى . قال ابن إسحاق : وتلاحق به الناس ، فأتى رجال منهم من بعد العشاء الآخرة ، ولم يصلوا العصر ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يصلين أحد العصر إلا ببني قريظة ، فشغلهم ما لم يكن منه بد في حربهم ، وأبوا أن يصلوا ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : حتى تأتوا بني قريظة . فصلوا العصر بها ، بعد العشاء الآخرة ، فما عابهم الله بذلك في كتابه ، ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم . حدثني بهذا الحديث أبي إسحاق بن يسار ، عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري . قال : وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة ، حتى جهدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب . وقد كان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم ، حين رجعت عنهم قريش وغطفان ، وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه . فلما أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم ، قال كعب بن أسد لهم : يا معشر يهود ، قد نزل بكم من الأمر ما ترون ، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا ، فخذوا أيها شئتم ؛ قالوا : وما هي ؟ قال : نتابع هذا الرجل ونصدقه ، فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل ، وأنه للذي تجدونه في كتابكم ، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم ؛ قالوا : لا نفارق حكم التوارة أبدا ، ولا نستبدل به غيره ؛ قال : فإذا أبيتم عليّ هذه ، فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مُصلتين السيوف ، لم نترك وراءنا ثقلا ، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، فإن نهلك نهلك ، ولم نترك وراءانا نسلا نخشى عليه ، وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء ؛ قالوا : نقتل هؤلاء المساكين ! فما خير العيش بعدهم ؟ قال : فإن أبيتم عليّ هذه ، فإن الليلة ليلة السبت ، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها ، فانزلوا لعلنا نُصيب من محمد وأصحابه غرة ؛ قالوا : نفسد سبتنا علينا ، ونحُدث فيه ما لم يحدث مَنْ كان قبلنا إلا من قد علمت ، فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ ! قال : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما . قال : ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبدالمنذر ، أخا بني عمرو بن عوف ، وكانوا حلفاء الأوس ، لنستشيره في أمرنا ، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ؛ فلما رأوه قام إليه الرجال ، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه ، فرق لهم ، وقالوا له : يا أبا لبابة ! أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ قال : نعم ، وأشار بيده إلى حلقه ، إنه الذبح . قال أبو لبابة : فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده ، وقال : لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت ، وعهد الله : أن لا أطأ بني قريظة أبدا ، ولا أُرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا . قال ابن هشام : وأنزل الله تعالى في أبي لبابة ، فيما قال سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبدالله بن أبي قتادة : قال ابن إسحاق : فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره ، وكان قد استبطأه ، قال : أما إنه لو جاءني لاستغفرت له ، فأما إذ قد فعل ما فعل ، فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه . قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن عبدالله بن قُسيط : أن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر ، وهو في بيت أم سلمة . فقالت أم سلمة : فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم من السحر و هو يضحك . قالت : فقلت : مم تضحك يا رسول الله ؟ أضحك الله سنك ؛ قال : تِيب على أبي لبابة ؛ قالت : قلت : أفلا أبشره يا رسول الله ؟ قال : بلى ، إن شئت . قال : فقامت على باب حجرتها ، وذلك قبل أن يُضرب عليهنّ الحجاب ، فقالت : يا أبا لبابة ، أبشر فقد تاب الله عليك . قالت : فثار الناس إليه ليطلقوه ، فقال : لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده ؛ فلما مر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه . قال ابن هشام : أقام أبو لبابة مرتبطا بالجذع ست ليال ، تأتيه امرأته في كل وقت صلاة ، فتحله للصلاة ، ثم يعود فيرتبط بالجذع ، فيما حدثني بعض أهل العلم ؛ والآية التي نزلت في توبته قول الله عز وجل : قال ابن إسحاق : ثم إن ثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسد بن عبيد ، وهم نفر من بني هدل ، ليسوا من بني قريظة ولا النضير ، نسبهم فوق ذلك ، هم بنو عم القوم ، أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وخرج في تلك الليلة عمرو بن سُعْدى القرظي ، فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه محمد بن مسلمة تلك الليلة ؛ فلما رآه قال : من هذا ؟ قال : أنا عمرو بن سُعدى - وكان عمرو قد أبى يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : لا أغدر بمحمد أبدا - فقال محمد بن مسلمة حين عرفه : اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام ، ثم خلى سبيله . فخرج على وجهه حتى أتى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة ، ثم ذهب فلم يُدر أين توجه من الأرض إلى يومه هذا ، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه ؛ فقال : ذاك رجل نجاه الله بوفائه . وبعض الناس يزعم أنه كان أُوثق بِرُمَّة فيمن أُوثق من بني قريظة ، حين نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصبحت رمته ملقاة ، ولا يدري أين يذهب ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تلك المقالة ، والله أعلم أي ذلك كان . قال : فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتواثبت الأوس ، فقالوا : يا رسول الله ، إنهم موالينا دون الخزرج ، وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت - وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بني قريظة قد حاصر بني قينقاع ، وكانوا حلفاء الخزرج ، فنزلوا على حكمه ، فسأله إياهم عبدالله بن أبي بن سلول ، فوهبهم له - فلما كلمته الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ قالوا : بلى ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذاك إلى سعد بن معاذ . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم ، يقال لها : رُفيدة ، في مسجده ، كانت تداوي الجرحى ، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق : اجعلوه في خيمة رُفيدة حتى أعوده من قريب . فلما حكَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة ، أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطَّئوا له بوسادة من أدم ، وكان رجلا جسيما جميلا ، ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يقولون : يا أبا عمرو ، أحسن في مواليك ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم ؛ فلما أكثروا عليه قال : لقد أَنى لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم . فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبدالأشهل ، فنَعَى لهم رجال بني قريظة ، قبل أن يصل إليهم سعد ، عن كلمته التي سمع منه . فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا إلى سيدكم - فأما المهاجرون من قريش ، فيقولون : إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ؛ وأما الأنصار ، فيقولون : قد عمّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقاموا إليه ، فقالوا : يا أبا عمرو ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم ؛ فقال سعد بن معاذ : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ، أنّ الحكم فيهم لمَا حكمت ؟ قالوا : نعم : وعلى من هاهنا ؟ في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ؛ قال سعد : فإني أحكم فيهم أن تُقتل الرجال ، وتقسم الأموال ، وتُسبى الذراري والنساء . قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن ابن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن علقمة بن وقاص الليثي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة . قال ابن هشام : حدثني بعض من أثق به من أهل العلم : أن علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة : يا كتيبة الإيمان ، وتقدم هو والزبير بن العوام ، وقال : والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم ؛ فقالوا : يا محمد ، ننزل على حكم سعد بن معاذ . قال ابن إسحاق : ثم استنزلوا ، فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في دار بنت الحارث ، امرأة من بني النجار ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة ، التي هي سوقها اليوم ، فخندق بها خنادق ، ثم بعث إليهم ، فضرب أعناقهم في تلك الخنادق ، يخرج بهم إليه أرسالا ، وفيهم عدو الله حيي بن أخطب ، وكعب بن أسد ، رأس القوم ، وهم ستمائة أو سبعمائة ، والمكثِّر لهم يقول : كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة . وقد قالوا لكعب بن أسد ، وهم يُذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا : يا كعب ، ما تراه يصنع بنا ؟ قال : أفي كل موطن لا تعقلون ؟ ألا ترون الداعي لا ينزع ، وأنه من ذُهب به منكم لا يرجع ؟ هو والله القتل ! فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأُتي بحيي بن أخطب عدو الله ، وعليه حله له فقَّاحية - قال ابن هشام : فقاحية : ضرب من الوشي - قد شقها عليه من كل ناحية قدر أنملة أنملة لئلا يُسلبها ، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل . فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أما والله ما لمت نفسي في عدواتك ، ولكنه من يخذل الله يخذل ، ثم أقبل على الناس ، فقال : أيها الناس ، إنه لا بأس بأمر الله ، كتاب وقدر ملحمة كتبها الله على بني إسرائيل ، ثم جلس فضربت عنقه . فقال جبل بن جوال الثعلبي : لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه * ولكنه من يخذل الله يخُذلِ لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها * وقلقل يبغي العز كل مُقلقَل قال ابن إسحاق : وقد حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : لم يقتل من نسائهم إلا امراة واحدة . قالت : والله إنها لعندي تحَدَّث معي ، وتضحك ظهرا وبطنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها في السوق ، إذ هتف هاتف باسمها : أين فلانة ؟ قالت : أنا والله ، قالت : قلت لها : ويلك ؛ ما لك ؟ قالت : أُقتل ؛ قلت : ولم ؟ قالت : لحدث أحدثته ؛ قالت : فانطلق بها ، فضربت عنقها ؛ فكانت عائشة تقول : فوالله ما أنسى عجبا منها ، طيب نفسها ، وكثرة ضحكها ، وقد عرفت أنها تُقتل . قال ابن هشام : وهي التي طرحت الرحا على خلاد بن سويد ، فقتلته . قال ابن إسحاق : وقد كان ثابت بن قيس بن الشماس ، كما ذكر لي ابن شهاب الزهري ، أتى الزبير بن باطا القرظي ، وكان يكنى أبا عبدالرحمن - وكان الزبير قد منَّ على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية . ذكر لي بعض ولد الزبير أنه كان منّ عليه يوم بعاث ، أخذه فجز ناصيته ، ثم خلى سبيله - فجاءه ثابت وهو شيخ كبير ، فقال : يا أبا عبدالرحمن ، هل تعرفني ؟ قال : وهل يجهل مثلي مثلك ؛ قال : إني قد أردت أن أجزيك بيدك عندي ؛ قال : إن الكريم يجزي الكريم . ثم أتى ثابت بن قيس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إنه قد كانت للزبير عليّ منة ، وقد أحببت أن أجزيه بها ، فهب لي دمه ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو لك ؛ فأتاه فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك ، فهو لك ؛ قال : شيخ كبير لا أهل له ولا ولد ، فما يصنع بالحياة ؟ قال : فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، هب لي امرأته وولده ؛ قال : هم لك . قال : فأتاه فقال : قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك ، فهم لك ؛ قال : أهل بيت بالحجاز لا مال لهم ، فما بقاؤهم على ذلك ؟ فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ماله ؛ قال : هو لك . فأتاه ثابت فقال : قد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ، فهو لك . قال : أي ثابت ، مافعل الذي كأن وجهه مرآة صينية يتراءى فيها عذارى الحي ، كعب بن أسد ؟ قال : قتل ؛ قال : فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب ؟ قال : قتل ؛ قال : فما فعل مقدمتنا إذا شددنا ، وحاميتنا إذا فررنا ، عزَّال بن سموأل ؟ قال : قتل ؛ قال : فما فعل المجلسان ؟ يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة ؛ قال : ذهبوا قتلوا ؛ قال : فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم ، فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير ، فما أنا بصابر لله فتلة دلو ناضح حتى ألقى الأحبة . فقدمه ثابت ، فضرب عنقه . فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله ( ألقى الأحبة ) . قال : يلقاهم والله في نار جهنم خالدا فيها مخلدا . قال ابن هشام : قبلة دلو ناضح . قال زهير بن أبي سلمى في ( قبلة ) : وقابل يتغنى كلما قدرت * على العراقي يداه قائما دَفَقا وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن هشام : ويُروى : وقابل يتلقى ، يعني قابل الدلو يتناول .
|